فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَملُوا الصَّالحَات لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعيم (8)}.
لما بين حال من إذا تتلى عليه الآيات ولى، بين حال من يقبل على تلك الآيات ويقبلها وكما أن ذلك له مراتب من التولية والاستكبار، فهذا له مراتب من الإقبال والقبول والعمل به، فإن من سمع شيئًا وقبله قد لا يعمل به فلا تكون درجته مثل من يسمع ويطيع ثم إن هذا له جنات النعيم ولذلك عذاب مهين وفيه لطائف: إحداها: توحيد العذاب وجمع الجنات إشارة إلى أن الرحمة واسعة أكثر من الغضب الثانية: تنكير العذاب وتعريف الجنة بالإضافة إلى المعرف إشارة إلى أن الرحيم يبين النعمة ويعرفها إيصالًا للراحة إلى القلب، ولا يبين النقمة، وإنما ينبه عليها تنبيهًا الثالثة: قال عذاب، ولم يصرح بأنهم فيه خالدون، وإنما أشار إلى الخلود بقوله: {مُّهينٌ} وصرح في الثواب بالخلود بقوله: {خالدين فيهَا} الرابعة: أكد ذلك بقوله: {وَعْدَ الله حَقّا} ولم يذكره هناك الخامسة: قال هناك لغيره {فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ} وقال هاهنا بنفسه {وَعَدَ الله} ثم لم يقل أبشركم به لأن البشارة لا تكون إلا بأعظم ما يكون، لكن الجنة دون ما يكون للصالحين بشارة من الله، وإنما تكون بشارتهم منه برحمته ورضوانه كما قال تعالى: {يُبَشّرُهُمْ رَبُّهُم برَحْمَةٍ مّنْهُ ورضوان وجنات لَّهُمْ فيهَا نَعيمٌ مُّقيم} [التوبة: 21] ولولا قوله: {منْهُ} لما عظمت البشارة، ولو كانت {منْهُ} مقرونة بأمر دون الجنة لكان ذلك فوق الجنة من غير إضافة فإن قيل فقد بشر بنفس الجنة بقوله: {وَأَبْشرُوا بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُون} [فصلت: 30] نقول البشارة هناك لم تكن بالجنة وحدها، بل بها وبما ذكر بعدها إلى قوله تعالى: {نُزُلًا مّنْ غَفُورٍ رَّحيمٍ} [فصلت: 32] والنزل ما يهيأ عند النزول والإكرام العظيم بعده {وَهُوَ العزيز الحكيم} كامل القدرة يعذب المعرض ويثيب المقبل، كامل العلم يفعل الأفعال كما ينبغي، فلا يعذب من يؤمن ولا يثيب من يكفر.
{خَلَقَ السَّمَاوَات بغَيْر عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الْأَرْض رَوَاسيَ أَنْ تَميدَ بكُمْ}.
ثم قال تعالى: {خُلقَ السموات بغَيْر عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}.
بين عزته وحكمته بقوله: {خُلقَ السموات بغَيْر عَمَدٍ} اختلف قول العلماء في السموات فمنهم من قال إنها مبسوطة كصفيحة مستوية، وهو قول أكثر المفسرين ومنهم من قال إنها مستديرة وهو قول جميع المهندسين، والغزالي رحمه الله قال نحن نوافقهم في ذلك فإن لهم عليها دليلًا من المحسوسات ومخالفة الحس لا تجوز، وإن كان في الباب خبر نؤوله بما يحتمله، فضلًا من أن ليس في القرآن والخبر ما يدل على ذلك صريحًا، بل فيه ما يدل على الاستدارة كما قال تعالى: {كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] والفلك اسم لشيء مستدير، بل الواجب أن يقال بأن السموات سواء كانت مستديرة أو مصفحة فهي مخلوقة بقدرة الله لا موجودة بإيجاب وطبع، وإذا علم هذا فنقول السماء في مكان وهو فضاء لا نهاية له وكون السماء في بعضه دون بعض ليس إلا بقدرة مختارة وإليه الإشارة بقوله: {بغَيْر عَمَدٍ} أي ليس على شيء يمنعها الزوال من موضعها وهي لا تزول إلا بقدرة الله تعالى وقال بعضهم المعنى أن السموات بأسرها ومجموعها لا مكان لها لأن المكان ما يعتمد عليه ما فيه فيكون متمكنًا والحيز ما يشار إلى ما فيه بسببه يقال هاهنا وهناك على هذا قالوا إن من يقع من شاهق جبل فهو في الهواء في حيز إذ يقال له هو هاهنا وهناك، وليس في مكان إذ لا يعتمد على شيء، فإذا حصل على الأرض حصل في مكان، إذا علم هذا فالسماوات ليست في مكان تعتمد عليه فلا عمد لها وقوله: {تَرَوْنَهَا} فيه وجهان: أحدهما: أنه راجع إلى السموات أي ليست هي بعمد وأنتم ترونها كذلك بغير عمد والثاني: أنه راجع إلى العمد أي بغير عمد مرئية، وإن كان هناك عمد غير مرئية فهي قدرة الله وإرادته.
ثم قال تعالى: {وألقى في الأرض رَوَاسيَ أَن تَميدَ بكُمْ وَبَثَّ فيهَا من كُلّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا منَ السماء مَاء فَأَنْبَتْنَا فيهَا من كل زوج كريم}.
أي جبالًا راسية ثابتة {أَن تَميدَ} أي كراهية أن تميد وقيل المعنى أن لا تميد، واعلم أن الأرض ثباتها بسبب ثقلها، وإلا كانت تزول عن موضعها بسبب المياه والرياح، ولو خلقها مثل الرمل لما كانت تثبت للزراعة كما نرى الأراضي الرملة ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع، ثم قال تعالى: {وَبَثَّ فيهَا من كُلّ دَابَّةٍ} أي سكون الأرض فيه مصلحة حركة الدواب فأسكنا الأرض وحركنا الدواب ولو كانت الأرض متزلزلة وبعض الأراضي يناسب بعض الحيوانات لكانت الدابة التي لا تعيش في موضع تقع في ذلك الموضع فيكون فيه هلاك الدواب، أما إذا كانت الأرض ساكنة والحيوانات متحركة تتحرك في المواضع التي تناسبها وترعى فيها وتعيش فيها، ثم قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا منَ السماء مَاء} هذه نعمة أخرى أنعمها الله على عباده، وتمامها بسكون الأرض لأن البذر إذا لم يثبت إلى أن ينبت لم يكن يحصل الزرع ولو كانت أجزاء الأرض متحركة كالرمل لما حصل الثبات ولما كمل النبات، والعدول من المغايبة إلى النفس فيه فصاحة وحكمة، أما الفصاحة فمذكورة في باب الالتفات من أن السامع إذا سمع كلامًا طويلًا من نمط واحد، ثم ورد عليه نمط آخر يستطيبه ألا ترى أنك إذا قلت قال زيد كذا وكذا، وقال خالد كذا وكذا، وقال عمرو كذا ثم إن بكرًا قال قولًا حسنًا يستطاب لما قد تكرر القول مرارًا.
وأما الحكمة فمن وجهين أحدهما: أن خلق الأرض ثقيل، والسماء في غير مكان قد يقع لجاهل أنه بالطبع، وبث الدواب يقع لبعضهم أنه باختيار الدابة، لأن لها اختيار، فنقول الأول طبيعي والآخر اختياري للحيوان، ولكن لا يشك أحد في أن الماء في الهواء من جهة فوق ليس طبعًا فإن الماء لا يكون بطبعه فوق ولا اختيارًا، إذ الماء لا اختيار له فهو بإرادة الله تعالى، فقال: {وَأَنزَلْنَا منَ السماء} الثاني: هو أن إنزال الماء نعمة ظاهرة متكررة في كل زمان، متكثرة في كل مكان، فأسنده إلى نفسه صريحًا ليتنبه الإنسان لشكر نعمته فيزيد له من رحمته، وقوله تعالى: {فَأَنْبَتْنَا فيهَا من كُلّ زَوْجٍ} أي من كل جنس، وكل جنس فتحته زوجان، لأن النبات إما أن يكون شجرًا، وإما أن يكون غير شجر، والذي هو الشجر إما أن يكون مثمرًا، وإما أن يكون غير مثمر، والمثمر كذلك ينقسم قسمين، وقوله تعالى: {كَريمٌ} أي ذي كرم، لأنه يأتي كثيرًا من غير حساب أو مكرم مثل بغض للمبغض.
{هَذَا خَلْقُ اللَّه فَأَرُوني مَاذَا خَلَقَ الَّذينَ منْ دُونه بَل الظَّالمُونَ في ضَلَالٍ مُبينٍ (11)}.
قوله تعالى: {هذا خَلْقُ الله فَأَرُونى مَاذَا خَلَقَ الذين من دُونه} يعني الله خالق وغيره ليس بخالق فكيف تتركون عبادة الخالق وتشتغلون بعبادة المخلوق.
ثم قال تعالى: {بَل الظالمون في ضلال مُّبينٍ} أي بين أو مبين للعاقل أنه ضلال، وهذا لأن ترك الطريق والحيد عنه ضلال، ثم إن كان الحيد يمنة أو يسرة فهو لا يبعد عن الطريق المستقيم مثل ما يكون المقصد إلى وراء فإنه يكون غاية الضلال، فالمقصد هو الله تعالى، فمن يطلبه ويلتفت إلى غيره من الدنيا وغيرها فهو ضال، لكن من وجهه إلى الله قد يصل إلى المقصود ولكن بعد تعب وطول مدة، ومن يطلبه ولا يلتفت إلى ما سواه يكون كالذي على الطريق المستقيم يصل عن قريب من غير تعب.
وأما الذي تولى لا يصل إلى المقصود أصلًا، وإن دام في السفر، والمراد بالظالمين المشركون الواضعون لعبادتهم في غير موضعها أو الواضعون أنفسم في عبادة غير الله. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {خَلَقَ السَّموَات بغَيْر عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} فيه قولان:
أحدهما: بعمد لا ترونها، قاله عكرمة ومجاهد.
الثاني: أنها خلقت بغير عمد، قاله الحسن وقتادة.
{وَأَلْقَى في الأَرْض رَوَاسيَ} أي جبالًا.
{أَن تَميدَ بكُمْ} أي لئلا تميد بكم وفيه وجهان:
أحدهما: معناه أن لا تزول بكم، قاله النقاش.
الثاني: أن لا تتحرك بكم، قاله يحيى بن سلام. وقيل: إن الأرض كانت تتكفأ مثل السفينة فأرساها الله بالجبال وأنها تسعة عشر جبلًا تتشعب في الأرض حتى صارت لها أوتادًا فتثبتت وروى أبو الأشهب عن الحسن قال: لما خلق الله الأرض جعلت تميد فلما رأت الملائكة ما تفعل الأرض قالوا: ربنا هذه لا يقر لك على ظهرها خلق، فأصبح قد ربطها بالجبال فلما رأت الملائكة الذي أرسيت به الأرض عجبوا فقالوا: يا ربنا هل خلقت خلقًا هو أشد من الجبال؟ قال: نَعَم الرّيحُ قالوا: هل خلقت خلقًا هو أشد من الريح؟ قال: نَعَمْ ابنُ آدَمَ.
{وَبَثَّ فيهَا من كُلّ دَآبَّةٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وخلق فيها، قاله السدي.
الثاني: وبسط، قاله الكلبي.
الثالث: فرق فيها من كل دابة وهو الحيوان سُمّيَ بذلك لدبيبه والدبيب الحركة.
{وَأَنزَلْنَا منَ السَّمَاء مَاءً فَأنْبَتْنَا فيهَا من كُلّ زَوْجٍ كَريمٍ} فيه قولان:
أحدهما: أنهم الناس هم نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم، قاله الشعبي.
الثاني: أن نبات الأرض أشجارها وزرعها، والزوج هو النوع.
وفي الكريم ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الحسن، قاله قتادة.
الثاني: أنه الطيب الثمر، قاله ابن عيسى.
الثالث: أنه اليانع، قاله ابن كامل.
ويحتمل رابعًا: أن الكريم ما كثر ثمنه لنفاسة القدر. اهـ.

.قال ابن عطية:

ولما ذكر عز وجل حال هؤلاء الكفرة وتوعدهم بالنار على أفعالهم، عقب بذكر المؤمنين وما وعدهم به من {جنات النعيم} ليبين الفرق، و{وعدَ الله} منصوب على المصدر، و{حقًا} مصدر مؤكد، وقوله تعالى: {بغير عمد ترونها} يحتمل أن يعود الضمير على {السماوات} فيكون المعنى أن السماء بغير عمد وأنها ترى كذلك، وهذا قول الحسن والناس، و{ترونها} على هذا القول في موضع نصب على الحال، ويحتمل أن يعود الضمير على العمد فيكون {ترونها} صفة للعمد في موضع خفض، ويكون المعنى أن السماء لها عمد لكن غير مرئية قاله مجاهد ونحا إليه ابن عباس، والمعنى الأول أصح والجمهور عليه، ويجوز أن تكون {ترونها} في موضع رفع على القطع ولا عمد ثم، والرواسي هي الجبال التي رست أي ثبتت في الأرض، وقوله: {أن تميد} بمعنى لئلا تميد، والميد التحرك يمنة ويسرة وما قرب من ذلك، وقوله تعالى: {من كل زوج} أي من كل نوع، والزوج في النوع والصنف وليس بالذي هو ضد الفرد، وقوله تعالى: {كريم} يحتمل أن يريد مدحه من جهة إتقان صنعه وظهور حسن الرتبة والتحكيم للصنع فيه فيعم حينئذ جميع الأنواع لأن هذا المعنى في كلها، ويحتمل أن يريد مدحه بكرم جوهره وحسن منظره ومما تقضي له النفوس بأنه أفضل من سواه حتى يستحق الكرم، فتكون الأزواج على هذا مخصوصة في نفائس الأشياء ومستحسناتها، ولما كان عظم الموجودات كذلك خصص الحجة بها. وقوله: {أنبتنا} يعم جميع أنواع الحيوان وأنواع النبات والمعادن، ثم وقف تعالى الكفار على جهة التوبيخ وإظهار الحجة على أن هذه الأشياء هي مخلوقات الله تعالى، ثم سألهم أن يوجدوه ما خلق الأوثان والأصنام وغيرهم ممن عبد، أي أنهم لن يخلقوا شيئًا، بل هذا الذي قريش فيه ضلال مبين، فذكرهم بالصفة التي تعم معهم سواهم ممن فعل فعلهم من الأمم، وقوله: {ماذا} يجوز أن تكون ما استفهامًا في موضع رفع بالابتداء وذا خبرها بمعنى الذي والعائد محذوف، ويجوز أن تكون ما مفعولة ب {أروني} وذا وما بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره في الوجهين خلقه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إنَّ الذين آمَنُوا وَعَملُوا الصالحات لَهُمْ جَنَّاتُ النعيم}.
لما ذكر عذاب الكفار ذكر نعيم المؤمنين.
{خَالدينَ فيهَا} أي دائمين.
{وَعْدَ الله حَقًّا} أي وعدهم الله هذا وعدًا حقًا لا خُلْف فيه.
{وَهُوَ العزيز الحكيم} تقدّم أيضًا.
قوله تعالى: {خَلَقَ السماوات بغَيْر عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} تكون {تَرَوْنَهَا} في موضع خفض على النعت ل {عَمَد} فيمكن أن يكون ثَمّ عَمَد ولكن لا تُرَى.
ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من {السَّمَوَات} ولا عَمَد ثَمّ الْبَتّة.
النحاس: وسمعت علي بن سليمان يقول: الأولى أن يكون مستأنفًا، ولا عَمَد ثَمّ؛ قاله مكيّ.
ويكون {بغَيْر عَمَدٍ} التمام.
وقد مضى في الرعد الكلام في هذه الآية.
{وألقى في الأرض رَوَاسيَ} أي جبالًا ثوابت.
{أَن تَميدَ} في موضع نصب؛ أي كراهية أن تميد.
والكوفيون يقدّرونه بمعنى لئلا تميد.
{وَبَثَّ فيهَا من كُلّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا منَ السماء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فيهَا من كُلّ زَوْجٍ كَريمٍ} عن ابن عباس: من كل لون حَسَن.
وتأوّله الشعبيّ على الناس؛ لأنهم مخلوقون من الأرض؛ قال: من كان منهم يصير إلى الجنة فهو الكريم، ومن كان منهم يصير إلى النار فهو اللئيم.
وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب، وظاهر القرآن يدلّ على ذلك.
قوله تعالى: {هذا خَلْقُ الله} مبتدأ وخبر.
والخلق بمعنى المخلوق؛ أي هذا الذي ذكرته مما تعاينون {خَلْقُ اللَّه} أي مخلوق الله، أي خلقها من غير شريك.
{فَأَرُوني} معاشر المشركين {مَاذَا خَلَقَ الذين من دُونه} يعني الأصنام.
{بَل الظالمون} أي المشركون {في ضَلاَلٍ مُّبينٍ} أي خسران ظاهر.
وما استفهام في موضع رفع بالابتداء وخبره ذا وذا بمعنى الذي.
و{خلق} واقع على هاء محذوفة؛ تقديره فأروني أي شيء خلق الذين من دونه؛ والجملة في موضع نصب ب {أروني} وتضمر الهاء مع {خلق} تعود على الذين؛ أي فأروني الأشياء التي خلقها الذين من دونه.
وعلى هذا القول تقول: ماذا تعلمت، أنحوٌ أم شعر.
ويجوز أن تكون ما في موضع نصب ب {أروني} وذا زائد؛ وعلى هذا القول يقول: ماذا تعلمت، أنحوًا أم شعرًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إنَّ الذين ءامَنُوا وَعَملُوا الصالحات} بيانٌ لحال المُؤمنين بآياته تعالى إثرَ بيان حال الكافرينَ بها أي الذين آمنُوا بآياته تعالى وعملُوا بموجبها {لَهُمْ} بمقابلة ما ذُكر من إيمانهم وأعمالم {جنات النعيم} أي نعيمُ جنَّاتٍ فعكسَ للمُبالغة والجملة خبرُ أنَّ والأحسن أنْ يجعلَ لَهمُ هو الخبرَ لأنَّ وجنَّاتُ النَّعيم مرتفعًا به على الفاعليَّة.
وقولُه تعالى: {خالدين فيهَا} حال من الضَّمير في لهم أو من جنَّات النَّعيم لاشتماله على ضميريهما والعاملُ ما تعلَّق به اللامُ {وَعْدَ الله حَقّا} مصدران مؤكّدان، والأول لنفسه والثَّاني لغيره لأنَّ قوله تعالى: {لهم جنَّاتُ النَّعيم} في معنى وعَدَهم الله جنَّات النَّعيم. {وَهُوَ العزيز} الذي لا يغلبه ليمنعه من إنجاز وعده أو تحقيق وعيده {الحكيم} الذي لا يفعلُ إلا ما تقتضيه الحكمةُ والمصلحةُ.
{خَلَقَ السموات بغَيْر عَمَدٍ} الخ استئنافٌ مسوقٌ للاستشهاد بما فُصّل فيه على عزَّته تعالى التي هي كمالُ القدرة وحكمته التي هي كمالُ العلم وتمهيدُ قاعدة التوحيد وتقريرُه وإبطالُ أمر الإشراك وتبكيتُ أهله. والعَمَدُ جمعُ عمادٍ كأَهبٍ جمعُ إهابٍ وهو ما يُعمَّدُ به أي يُسندُ. يُقال عمَّدتُ الحائطَ إذا دعَّمتُه أي بغير دعائم، على أنَّ الجمعَ لتعدد السَّموات. وقولُه تعالى: {تَرَوْنَهَا} استئنافٌ جيءَ به للاستشهاد على ما ذُكر من خلقه تعالى لها غيرَ معمودةٍ بمُشاهدتهم لها كذلك، أو صفةٌ لعَمَدٍ أي خلقَها بغير عمدٍ مرئيَّةٍ على أنَّ التَّقييدَ للرَّمز إلى أنَّه تعالى عمَّدها بعَمدٍ لا تَرَونها هي عَمَدُ القُدرة {وألقى في الأرض رَوَاسىَ} بيانٌ لصُنعه البديع في قرار الأرض إثرَ بيان صُنعه الحكيم في قرارٍ السَّموات والأرض أي ألقى فيها جبالًا ثوابتَ. وقد مرَّ ما فيه من الكلام في سُورة الرَّعد {أَن تَميدَ بكُمْ} كراهةَ أنْ تميلَ بكم فإنَّ بساطةَ أجزائها تقتضي تبدُّلَ أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كلَ منها لذاته أو لشيءٍ من لوازمه بحيّزٍ معيَّنٍ ووضعٍ مخصوصٍ {وَبَثَّ فيهَا من كُلّ دَابَّةٍ} من كلّ نوعٍ من أنواعها {وَأَنزَلْنَا منَ السماء مَاءً} هو المطرُ {فَأَنبَتْنَا فيهَا} بسببٍ ذلك الماء {من كُلّ زَوْجٍ كَريمٍ} من كلّ صنفٍ كثير المنافع. والالتفاتُ إلى نون العظمة في الفعلين لإبراز مزيد الاعتناء بأمرها {هذا} أي ما ذُكر من السَّموات والأرض وما تعلَّق بهما من الأمور المعدودة {خَلَقَ الله} أي مخلوقُه {فَأَرُونى مَاذَا خَلَقَ الذين من دُونه} ممَّا اتخذتُموهم شركاءً له سبحانه في العبادة حتَّى استحقُّوا به المعبوديَّةَ. وماذا نُصب بخَلْقُ، أو مَا مرتفعٌ بالابتداء وخبرُه ذَا بصلته، وأرُوني متعلّقٌ به.
وقولُه تعالى: {بَل الظالمون في ضلال مُّبينٍ} إضرابٌ عن تبكيتهم بما ذُكر إلى التَّسجيل عليهم بالضَّلال البيّن المُستدعي للإعراض عن مخاطبتهم بالمقدّمات المعقولة الحقَّة لاستحالة أنْ يفهمُوا منها شيئًا فيهتدوا به إلى العلم ببطلان ما هُم عليه أو يتأثَّروا من الإلزام والتَّبكيت فينزجُروا عنه. ووضعُ الظَّاهر موضعَ ضميرهم للدّلالة على أنَّهم بإشراكهم واضعون للشَّيء في غير موضعه ومتعدُّون عن الحدود وظالمون لأنفسهم بتعريضها للعذاب الخالد. اهـ.